فصل: باب: الرقى بالقرآن والمعوذات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح صحيح البخاري لابن بطال ***


باب‏:‏ اللدود

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، وَعَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِىَّ عليه السلام وَهُوَ مَيِّتٌ، قَالَ‏:‏ وَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ لَدَدْنَاهُ فِى مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لا تَلُدُّونِى، فَقُلْنَا‏:‏ كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ‏:‏ أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِى‏؟‏ قُلْنَا‏:‏ كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ‏:‏ لا يَبْقَى فِى الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلا لُدَّ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلا الْعَبَّاسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ‏.‏

وفيه‏:‏ أم قيس‏:‏دخلت بابن لي على النبي عليه السلام وقد أعلقت عنه من العذرة، فقال‏:‏ علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق، عليكم بهذا العود الهندي فإنه فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب ويسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب‏.‏

‏[‏قلت‏]‏ لسفيان‏:‏ فإن ‏[‏معمراً‏]‏ يقول‏:‏ أعلقت عليه‏.‏

قال‏:‏ لم يحفظ إنما قال أعلقت عنه، حفظته من الزهري، ووصف سفيان الغلام يحنك بالأصبع وأدخل سفيان في حنكه، وإنما يعني رفع حنكه بأصبعه ولم يقل أعلقوا عنه شيئاً‏.‏

وفيه‏:‏ عائشة‏:‏لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي فأذنّ له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض فقال النبي عليه السلام بعد ما دخل بيتها واشتد وجعه‏:‏ هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس‏.‏

قالت‏:‏ فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتم، وخرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم‏.‏

قال المؤلف‏:‏ اللدود من أدوية الخدر وذات الجنب، تقول العرب‏:‏ لددت المريض لدا ‏[‏ألقيت الدواء في شق‏]‏ فيه‏:‏ وهو التحنيك بالأصبع كما قال أبو سفيان، واسم الشيء الذي يلد به المريض اللدود بفتح اللام‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ لمَ أمر النبي أن يلد كل من في الببت‏؟‏ قال المهلب‏:‏ وجه ذلك- والله أعلم- أنه لما فعل به من ذلك ما لم يأمرهم به من المداواة بل نهاهم عنه، وألم بذلك ألماً شديداً أمر أن يقتصّ من كل ‏[‏من‏]‏ فعل به ذلك، ألا ترى قوله‏:‏لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا العباس فإنه لم يشهدكم‏.‏

فأوجب القصاص على كل من لده من أهل البيت ومن ساعده فى ذلك ورآه لمخالفتهم نهيه عليه السلام، وقد جاء هذا المعنى فى رواية ابن إسحاق عن الزهرى، عن عبد الله بن كعب بن مالك ‏(‏أنهم لدوا النبى عليه السلام فى مرضه، فلما أفاق قال‏:‏ لم فعلتم ذلك‏؟‏ قالوا خشينا يارسول الله أن تكون بك ذات الجنب‏.‏

فقال‏:‏ إن ذلك لداء ماكان الله ليقذفنى به‏.‏

لا يبقى فى البيت أحد إلا لد إلا عمى‏)‏ فقد لدت ميمونة وهى صائمة لقسم رسول الله عقوبة لهم لما صنعوا برسول الله وقد أشرت إلى شىء من هذا المعنى فى باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقبون أو يقتص منهم كلهم فى آخر كتاب الديات، وقد قال بعض العلماء‏:‏ إن من هذا الحديث فهم عمر ابن الخطاب قتل من تمالأ على قتل الغلام بصنعاء‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ ماوجه ذكر حديث عائشة الذى فى آخر فى هذه الترجمة وليس فيه ذكر اللدود الذى ترجم به‏؟‏ قيل‏:‏ يحتمل ذلك- والله أعلم- أنه أراك أن مافعل بالمريض مما أن يفعل به أنه لايلزم فاعل ذلك به لوم ولاقصاص حين لم يأمر بصب الماء على كل من حضره، وأنه بخلاف ما أولم له مما نهى أن يفعل به؛ لأن ذلك من باب الجناية عليه، وفيه القصاص‏.‏

وقوله فى حديث أم قيس‏:‏ ‏(‏أعلقت عنه‏)‏ فالإعلاق أن ترفع العذرة باليد والعذرة قريبة من اللهاة، وقال ابن قتيبة‏:‏ العذرة‏:‏ وجع الحلق وأكثر مايعترى الصبيان فيعلق عنهم، والاعلاق والدغر شىء واحد وهو أن ترفع اللهاة، ونى رسول الله عن ذلك وأمر بالقسط البحرى‏.‏

قال عبدة بن الطيب‏:‏ غمز الطيب نغانغ المعذور‏.‏

يقال‏:‏ دغرت المرأة الصبى‏:‏ رفعت لهاته بأصبعها إذا أخذته العذزرة‏.‏

والصواب أعلق عنه كذلك خكاه أهل اللغة ولم يعدوه إلا بعن‏.‏

باب دواء المبطون

- فيه‏:‏ أَبُو سَعِيد، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِى عليه السلام فَقَالَ‏:‏ إِنَّ أَخِى اسْتَطْلَقَ، بَطْنُهُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اسْقِهِ عَسَلا‏)‏ فَسَقَاهُ فَقَالَ‏:‏ إِنِّى سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلا اسْتِطْلاقًا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ‏)‏‏.‏

فيه أن ماجعل الله فيه شفاء من الأدوية قد يتأخر تأثيرة فى العلة حتى يتم أمره وتنقضى مدته المكتوبة فى أم الكتاب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏صدق الله وكذب بطن أخيك‏)‏ يدل أن الكلام لايحمل على ظاهرة ولو حمل على ظاهرة لبرىء المريض عند أول شربة العسل، فلما لم يبرأ إلا بعد تكرر شربه له دل أن الألفاظ مفتقرة إلى معرفة معانيها، وليست على ظواهرها‏.‏

باب‏:‏ لا صفر وهو داء يأخذ البطن

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عَدْوَى، وَلا صَفَر، وَلا هَامَةَ‏)‏، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّه، فَمَا بَالُ إِبِلِى تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِى الْبَعِيرُ الأجْرَبُ، فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى قال‏:‏ سمعت يونس الجرمى سأل رؤبة العجاج عن الصفر فقال‏:‏ هى حبة تكون فى البطن تصيب الماشية والناس، وهى أعدى من الجرب عن العرب‏.‏

ويقال إن قوله‏:‏ ‏(‏لا صفر‏)‏ إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من تأخير المحرم إلى صفر فى التحريم، وقد روى عن مالك مثل هذا القول‏.‏

قال الطبرى‏:‏ والصواب عندى ماقال رؤبة، ويدل على صحة قوله قول الأعشى‏:‏ ولا يعض على سرشوفه الصفر قال ابن وهب‏:‏ كان أهل الجاهلية يقولون إن الصفار التى فى الجوف تقتل صاحبها، فرد ذلك رسول الله، وقال‏:‏ لايموت أحد إلا بأجله، وقد فسر جابر بن عبد الله وهو رواى الحديث عن النبى- عليه السلام‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وقوله‏:‏ ‏(‏لا هامة‏)‏ فإن الهامة طائر كانت العرب تسميه الصدى، وقيل‏:‏ إنه ذكر البوم‏.‏

وأشبه عندى بالصواب من قال أنه ذكر البوم، وإنما أراد النبى بقوله‏:‏ ‏(‏لا هامة‏)‏ إبطال ما كأن أهل الجاهلية يقولونه فى ذلك، وذلك أنهم كانوا يقولون‏:‏ إذا قتل الرجل فلم يطلب وليه بدمه ولم يثأر به خرج من هامته طائر يسمى الهامة فلا يزال يزفر عند قبره حتى يثأر به‏.‏

وقد تقدم معنى قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ فى باب الجذام ونذكر هاهنا طرفًا منه، قال ابن قتيبه‏:‏ والعدوى جنسان‏:‏ عدوى الجذام، والطاعون، فأما عدوى الجذام فإن المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجلسه معه ومؤاكلته، وربما جذمت امرأته بطول مصاحبتهات له وربما نزع أولاده فى الكبر إليه، وكذلك من كان به سل، والأطباء تأمر أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم ولايريدون بذلك معنى العدو وإنما بذلك تغير الرائحة وأنها تسقم من أطال اشتمامها والأطباء أبعد الناس من الإيمان بيمن أو شؤم‏.‏

وكذلك الجرب الرطب يكون بالبعير الإبل وحاكها وأوى فى مباركها وصل إليها بالماء الذى يسيل منه نحوًا مما به فلهذا المعنى نهى رسول الله أن يورد ذو عاهة على مصح كراهية أن يخالط ذو العاهة الصحيح فيناله من حكة ودائه نحوًا مما به، وقد ذهب قوم إلى أنه أراد بذلك ألا يظن أن الذى نال إبله من ذى العاهة قيأثم، وسيأتى الكلام فى الطاعون فى باب من خرج من أرض لاتلائمه بعد هذا‏.‏

باب‏:‏ ذات الجنب

- فيه‏:‏ أُمَّ قَيْسٍ، أَنّ النَّبِيّ عليه السلام قَالَ‏:‏ ‏(‏عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ‏)‏- يُرِيدُ الْكُسْتَ- يَعْنِى الْقُسْطَ، قَالَ‏:‏ وَهِىَ لُغَةٌ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ، وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ‏.‏

وقال أَنَس مرة‏:‏ أَذِنَ النَّبِىّ عليه السلام لأهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الْحُمَةِ وَالأذُنِ‏.‏

قَالَ أَنَسٌ‏:‏ كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالنَّبِىّ عليه السلام حَىٌّ، وَشَهِدَنِى أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِى‏.‏

وفيه أن ذات الجنب تداوى بالكست وتداوى بالكى أيضًا، وفى حديث أنس جواز الكى والاسترقاء، وقد تقدم ماللعلماء فى الكى فى باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو قبل هذا والحمة‏:‏ سم كل شىء يلدغ، عن صاحب العين، والأذن‏:‏ وجع الأذن‏.‏

باب‏:‏ حرق الحصير ليسد به الدم

- فيه‏:‏ سَهْل، لَمَّا كُسِرَتْ عَلَى رَأْسِ النَّبِىّ عليه السلام الْبَيْضَةُ وَأُدْمِى وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَكَانَ عَلِى يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِى الْمِجَنِّ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا، وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِ النَّبِىّ عليه السلام فَرَقَأَ الدَّمُ‏.‏

قال المهلب‏:‏ فيه أن قطع الدم بالرماد من المعلوم القديم المعمول به لا سيما إذا كان الحصير من ديس السعدى فهى معلومه بالقبض وطيب الرائحة، فالقبض يسد أفواه الجراح وطيب الرائحة يذهب بزهم الدم وإذا غسل الدم بالماء كما فعل اولا بجرح النبى فليجمد الدم ببرد الماء إذا كان الجرح سهلا غير غائر، وأما إذا كان غائرًا فلا تؤمن فيه آفاة الماء وضررة، وكان أبو الحسن بن القابسى يقول‏:‏ لوددنا أن نعلم ذلك الحصير ماكان فنجعله دواء لقطع الدم‏.‏

المؤلف‏:‏ وأهل الطب يزعمون أن كل حصير إذا أحرق يقطع رماده الدم، بل الأرمدة كلها تفعل ذلك؛ لأن الرماد من شأنه القبض وقد ترجم أبو عيسى الترمذى لحديث سهل بن سعد بهذا المعنى فقال‏:‏ باب التداوى بالرماد، ولم يقل باب التداوى برماد الحصير، وقد تقدم تفسير رق الدم فى باب الترسة والمجن فى كتاب الجهاد‏.‏

باب‏:‏ الحمىّ من فيح جهنم

- فيه‏:‏ ابْن عُمَر، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ‏)‏، وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقُولُ‏:‏ اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ‏.‏

- وفيه‏:‏ أَسْمَاءَ، كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ، تَدْعُو لَهَا، أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا، قَالَتْ‏:‏ وَكَانَ النَّبِىّ عليه السلام يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ‏)‏‏.‏

وَروى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عن النَّبِىّ عليه السلام وَقَالَ‏:‏ ‏(‏مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ‏)‏‏.‏

وقد فسرت أسماء أن إبرام الحمى صب الماء على جسد المحموم وقد تختلف أحوال المحمومين، فمنهم من يصلح أن يبرد بصب الماء عليه، وآخر يصلح بأن يشرب الماء، وزعم بعض العلماء أن بعض الحميات هى التى يجب إبرادها بالماء قال‏:‏ وهى التى عنى النبى عليه السلام وهى الحميات الحادة التى يكون أصلها من الحر، والحديث يراد به الخصوص، واستدل على ذلك بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الحمى من فيح جهنم‏)‏ والفيح عند العرب سطوع الحر‏.‏

عن صاحب العين‏.‏

وفى كتاب الأفعال‏:‏ فاحت النار والحر فيحًا انتشرا واشتد واستدل بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فأطفئوها بالماء‏)‏ و ‏(‏أبردوها بالماء‏)‏ قال‏:‏ ودل قوله أنه عليه السلام لم يأمر بإبراد الحميات الباردة التى يكون أصلها البرد وإنما أمر بإبراد الحميات الحارة التى يكون أصلها الحر والله أعلم‏.‏

والفوح والفيح لغتان‏.‏

باب‏:‏ من خرج من أرض لا تلائمه

- فيه‏:‏ أَنَس، أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ، قَدِمُوا عَلَى النَّبِىّ عليه السلام وَتَكَلَّمُوا بِالإسْلامِ، فَقَالُوا‏:‏ يَا نَبِى اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ، وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ النَّبِىّ عليه السلام بِذَوْدٍ وَبِرَاع، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

- فيه‏:‏ سَعْد، أَنّ النَّبِى عليه السلام قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَر خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ قَدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام، وَلا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ‏:‏ ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ادْعُوا لِى الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلافِهِمْ، فَقَالَ‏:‏ ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا‏:‏ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسِ‏:‏ إِنِّى مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ‏:‏ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ‏:‏ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ فَجَاءَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ‏:‏ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ، قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ‏.‏

وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ المَسِيحُ وَلا الطَّاعُونُ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، قَالَتْ‏:‏ قَالَ لِى أَنَس‏:‏ يَحْيَى بِمَ مَاتَ‏؟‏ قُلْتُ‏:‏ مِنَ الطَّاعُونِ، قال‏:‏ قال النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ‏)‏‏.‏

قال الطبرى فى حديث سعد‏:‏ فيه الدلالة على أن على المرء توقى المكاره قبل وقوعها وتجنب الشياء المخوفه قبل هجومها، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها، وذلك أنه عليه السلام نهى من لم يكن فى أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارًا منه، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق من الأمور سبيله فى ذلك سبيل الطاعون وهذا المعنى نظير قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية وإذا لقيتموهم فاصبروا‏)‏‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فإن كان كما ذكرت فما أنت قائل فيما روى شعبه عن يزيد بن أبى زياد، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص أن أبا موسى بعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وروى شعبه عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبى موسى الأشعرى‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبى عبيدة فى الطاعون الذى وقع فى الشام إنه عرضت به حاجة لا غنى بى عنك فيها فإذا أتاك كتابى ليلا فلا تصبح حتى ترد إلى وإن أتال نهارًا فلا تمس حتى ترد إلى، فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال‏:‏ عرفت حاجة أمير المؤمنين أراد أن يستبقى من ليس بباق‏.‏

ثم كتب إليه أنى قد عرفت حاجتك فحللنى من عزمتك ياأمير المؤمنين؛ فإنى فى جند المسلمين ولن أرغب بنفسي عنهم‏.‏

فلما عمر الكتاب بكى، فقيل له‏:‏ توفى أبو عبيدة‏؟‏ قال‏:‏ لا وكان قد كتب إليه عمر أن الأردن أرض غمقة وأن الجابية أرض نزهة فاظهر بالمسلمين إلى الجابية‏.‏

فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال‏:‏ هذا نسمع فيه لأمير المؤمنين ونطيعه‏.‏

فأراد ليركب بالناس فوجد وخزة فطعن وتوفى أبو عبيدة وإنكشف الطاعون‏)‏‏.‏

وروى شعبة أنه سأل الأشعث هل فرّ أبوك من الطاعون‏؟‏ قال كان إذا اشتد الطاعون فر هو والأسود بن هلال‏.‏

وروى شعبه عن الحكم أن مسروقًا كان يفر من الطاعون‏؟‏‏.‏

قيل‏:‏ قد خالف هؤلاء من القدوة مثلهم، وإذا اختلف فى أمر كان أولى بالحق من كان موافقًا أمر رسول الله‏.‏

فإن قيل‏:‏ فاذكر لنا من خالفهم‏.‏

قيل‏.‏

روى شعبه عن يزيد بن خمير، عن شر حبيل ابن شفعة قال‏:‏ ‏(‏وقع الطاعون، فقال عمرو بن العاص‏:‏ إنه رجز فتفرقوا عنه‏.‏

فبلغ شرحبيل بن حسنة فقال‏:‏ لقد صحبت رسول الله وعمرو أضل من بعير أهله، وإنه دعوة نبيكم ورحمة من ربكم وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا له ولا تفرقوا عنه، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال‏:‏ صدق‏)‏‏.‏

وروى أيوب عن أبى قلابة، عن عمرو بن العاص قال‏:‏ ‏(‏تفرقوا عن هذا الرجز فى الشعبا والأدوية ورؤوس الجبال‏.‏

فقال معاذ بن جبل‏:‏ بل هو شهادة ورحمة ودعوة بيكم‏:‏ اللهم أعط معاذًا وأهله نصيبهم من رحمتك‏.‏

فطعن فى كفه، قال أبو قلابة‏:‏ قد عرفت الشهادة والرحمة مادعوة نبيكم، فسألت عنها فقيل‏:‏ دعا عليه السلام أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا أن لايجعل بأس أمته بينهم فمنعها، فدعا بهذا‏)‏‏.‏

وقالت عمرة‏:‏ سألت عائشة عن الفرار من الطاعون، فقالت‏:‏ هو كالفرار من الزحف‏.‏

وسئل الثورى عن الرجل يخرج أيام الوباء بغير تجارة معروفة، قال‏:‏ لم يكونوا يفعلون ذلك وماأحبه‏.‏

فإنقال‏:‏ فهل من أحد إلا وهو ميت بعد استيفائه مدة أجله الذى كتب له‏؟‏ قيل‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فإن كان كذلك فما وجه النهى عن دخول أرض بها الطاعون أو الخروج منها‏؟‏ قيل‏:‏ لم ينه عن ذلك أحد حذارًا عليه من أن يصيبه غير ماكتب عليه أو أن يهلك قبل الأجل الذيلايستأخر عنه ولايستقدم، ولكن حذار الفتنة على الحى من أن يظن إنما كتان هلاكه من أجل قدومه عليه وأن من فر عنه فنجا من الموت أن نجاتهكانت من أجل خروجه عنه‏.‏

فكره رسول الله ذلك، ونهيه عليه السلام عن ذلك نظير نهيه عن الدنو من المجذوم، وقال‏:‏ ‏(‏فرّ منه فرارك من الأسد‏)‏ مع إعلامه أمته أن لا عدوى ولا صفر‏.‏

وقال غير الطبرى‏:‏ فإن قال‏:‏ فإن فى حديث أنس فى الذين استوخموا المدينة فأمرهم النبى أن يخرجوا منها حجة لمن أجاز الفرار من أرض الوباء والطاعون‏.‏

قيل‏:‏ ليس ذلك كما توهمته، وذلك أن القوم شكوا إلى النبى أنهم كانوا أهل ضرع ولم تلائمهم المدينة واستوخموها لمفارقهم هواء بلادهم فهم الذين استوخموا المدينة دون سائر الناس، فأمرهم النبى عليه السلام بالخروج منها ففى هذا من الفقه أن من قدم إلى بلده ولم يوافقه هواها أنه مباح له الخروج عنها والتماس هوى أفضل منها، وليس ذلك بفرار من الطاعون وإنما الفرار منه إذا عم الموت فى البلدة الساكنين فيها والطائرين عليها وفى ذلك جاء النهى، والله أعلم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرار منه‏)‏ دليل أنه يجوز الخروج من بلدة الطاعون على غير سبيل الفرار منه إذا اعتقد أن ماأصابه لم يكن ليخطئه، وكذلك حكم الداخل فى بلدة الطاعون إذا أيقن أن دخوله لايجلب إليه قدرًا لم يكن قدره الله عليه، فمباح له الدخول إليه‏.‏

وقد روى عن عروة بن رويم أنه قال‏:‏ بلغنا أن عمر كتب إلى عامله بالشام إذا سمعت بالطاعون قد وقع عندكم فاكتب إلى حتى أخرج إليه‏.‏

وروى القاسم عن عبد الله بن عمر أن عمر قال‏:‏ اللهم اغفر لى رجوعى من سرغ وروى عن ابن مسعود قال‏:‏ الطاعون فتنة على المقيم والفار، أما الفار فيقول‏:‏ فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول أقمت فمت، وكذلك فرّ من لم يجىء أجله وأقام فمات من جاء أجله‏.‏

وقال المدائنى يقال‏:‏ إنه قلّ مافر أحد من الطاعون فسلم من الموت‏.‏

وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الطاعون شهادة لكل مسلم‏)‏ سيأتى تفسيرة فى الباب المتصل بهذا‏.‏

باب‏:‏ أجر الصابر فى الطاعون

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلت النَّبِىّ عليه السلام عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاء، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِى بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الحديث مثل قوله‏:‏ ‏(‏الطاعون شهادة‏)‏، ‏(‏والمطعون شهيد‏)‏ أنه الصابر عليه المحتسب أجره على الله، العالم أنه لم يصيبه إلا ماكتب الله عليه، ولذلك تمنى معاذ بن جبل أن يموت فيه لعله إن مات فيه فهو شهيد، وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل فى معنى الحديث‏.‏

باب‏:‏ الرقى بالقرآن والمعوذات

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِى عليه السلام كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِى الْمَرَضِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ، كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا، فَسَأَلْتُ الزُّهْرِىَّ‏:‏ كَيْفَ يَنْفِثُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ‏.‏

فى الاسترقاء بالمعوذات استاذة بالله تعالى من شر كل من خلق ومن شر النفاثات فى السحر ومن شر الحاسد ومن شر الشيطان ووسوسته، وهذه جوامع من الدعاء تعم أكثر المكروهات ولذلك كان عليه السلام يسترقى بهما، وهذا الحديث أصل ألا يسترقى إلا بكتاب الله وأسمائه وصفاته‏.‏

وقد روى مالك فى الموطأ أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهى تشتكى ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر‏:‏ ارقيها بكتاب الله‏.‏

يعنى بالتوراة والانجيل؛ لأن ذلك كلام الله الذى فيه الشفاء‏.‏

وقد روى عن مالك جواز رقية اليهودية والنصرانى للمسلم إذا رقى بكتاب الله، وهو قول الشافعى، وفى المستخرجة أن مالكًا كره رقى أهل الكتاب وقال‏:‏ لا أحبه‏.‏

وذلك والله أعلم لأنه لايدرى هل يرقون بكتاب الله أو الرقى المكروهات التى تضاهى السحر‏.‏

وروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن المرأة التى ترقى بالحديدة والملح وعن التى تكتب الكتاب للإنسان ليعلقه عليه من الوجع، وتعقد فى الخيط الذى يربط به الكتاب سبع عقد، والذى يكتب خاتم سليمان فى الكتاب فكرهه كله وقال‏:‏ لم يكن ذلك من أمر الناس القديم‏.‏

باب‏:‏ الرقى بفاتحة الكتاب

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيد، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِى عليه السلام أَتَوْا عَلَى حَى مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ؛ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا‏:‏ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ، أَوْ رَاقٍ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ، وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا‏:‏ لا نَأْخُذُهُ، حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ، وَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ‏)‏‏.‏

فيه‏:‏ جواز الرقى بفاتحة الكتاب وهو يرد ماروى شعبه عن الزكى قال‏:‏ سمعت القاسم بن حسان يحدث عبد الرحمن بن حرملة عن ابن مسعود ‏(‏أن النبى عليه السلام كان يكره الرقى إلا بالمعوذات‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وهذا حديث لا يجوز الاحتجاج به فى الدين إذ فى نقلته من لايعرف، ولو كان صحيحًا لكان إما غلطًا أو منسوخًا؛ لقوله عليه السلام فيه‏:‏ ‏(‏ما أدراك أنها رقية‏)‏ فأثبت أنها رقية بقوله عليه السلام فيه‏:‏ ‏(‏ما أدراك أنها رقية‏)‏، فأثبت أنها رقية بقوله هذا، وقال‏:‏ ‏(‏اضربوا لى معكم بسهم‏)‏ وإذا جازت الرقية بالمعوذتين وهما سورتان من القرآن كانت الرقية بسائر القرآن مثلها فى الجواز؛ إذ كله قرآن قال المهل‏:‏ فى ‏(‏الحمد لله‏)‏ من معنى الرقى شبيه بمعنى مافى المعوذات منه وهو قوله‏:‏ ‏(‏وإياك نستعين‏)‏ والاستعانة به فى ذلك دعاء فى كشف الضر وسؤال الفرج، وقد بينا هذا المعنى فى كتاب الإجارة فى باب أخذ الأجرة على الرقى وذكرنا معنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما يدريك أنها رقية‏)‏ والاختلاف فى جواز أخذ الأجرة على الرقى فلذلك تركنا باب الشرط فى الرقية بقطيع من الغنم إذ أغنى عنه ماتقدم فى كتاب الإجارة‏.‏

باب‏:‏ رقية العين

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ‏:‏ أَمَرَنِى النبى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ‏.‏

- وفيه‏:‏ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم رَأَى فِى بَيْتِهَا جَارِيَةً فِى وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ‏:‏ اسْتَرْقُوا لَهَا، فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ‏.‏

الرقية من العين والنظرة وغير ذلك باسم الله تعالى وكتابه مرجو بركتها؛ لأمر النبى عليه السلام بذلك، وقد أمر رسول الله عليه السلام باغتسال العائن وصب ذلك بالماء على العين‏.‏

روى مالك عن ابن شهاب، عن أبى أمامه بن سهل بن حنيف أنه قال‏:‏ ‏(‏رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال‏:‏ مارأيت كاليوم ولاجلد مخبأ، فلبط سهل، فأخبر النبى عليه السلام بمرضه، فقال‏:‏ هل تتهمون أحدًا قالوا‏:‏ نتهم عامر بن ربيعة، فدعا عليه السلام عامرًا فتغيظ عليه، وقال‏:‏ علام يقتل أحدكم أخاه‏؟‏ ألا بركب، اغتسل له‏.‏

فغسل عامر وجهه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره فى قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس‏)‏‏.‏

فيه من الفقه أنه إذا عرف العائن أنه يقضى عليه بالوضوء لأمر النبى عليه السلام بذلك وأنها نشرة ينتفع بها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏ألا بركت‏)‏ فيه أن من رأى شيئًا فأعجبه فقال‏:‏ تبارك الله أحسن الخالقين وبرك فيه؛ فإنه لايضره بالعين وهى رقية منه‏.‏

والسفع‏:‏ سواد وشحوب فى الوجه، وامرأة سفعاء الخدين، والسفع الأثافى لسوادها من كتاب العين‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فلبط سهل‏)‏ من حديث مالك‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ رجل ملبوط، وقد لبطًا وهو سعال وزكام‏.‏

باب‏:‏ العين حق

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الْعَيْنُ حَقٌّ، وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ‏)‏‏.‏

وروى مالك عن حميد بن قيس‏:‏ ‏(‏أن النبى قال لحاضنة ابنى جعفر‏:‏ ما لى أراها ضارعين‏؟‏ فقالت‏:‏ يا رسول الله، تسرع إليهما العين‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ استرقوا لهما فلو يسبق شىء القدر لسبقته العين‏)‏‏.‏

وقال بعض أهل العلم إذا عرف أحد بالإصابة بالعين فينبغى اجتنابه والتحرز منه، وإذا ثبت عند الإمام فينبغى للإمام منعه من مداخله الناس والتعرض لأذاهم ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيرًا رزقه مايقوم به، وكف عن الناس عاديته فضره أشد من ضر آكل الثوم الذى منعه النبى مشاهدة صلاة الجماعة، وضره أشد من ضر المجذومة التى منعها عمر بن الخطاب الطواف مع الناس‏.‏

باب رقية الحية والعقرب

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِى الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِى حُمَةٍ‏.‏

هذا الحديث يبين ماروى عن على وابن مسعود أنهما قالا‏:‏ الرقى والتمائم والتوله شرك‏.‏

أن المراد بذلك رقى الجاهلية ومايضاهى السحر من الرقى المكروهة، روى ابن وهب عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال‏:‏ بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون إن رسول الله نهى عن الرقي حتى قدم المدينة، وكان الرقي فى ذلك الزمان فيها كثير من كلام الشرك، فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه، قالوا‏:‏ يارسول الله قد كان آل حزم يرقون من الحمة، فلما نهيت عن الرقى تركوها، فقال رسول الله عليه السلام ادعوا إلى عمارة- وكان قد شهد بدرًا- فقال‏:‏ اعرض على رقبتك‏.‏

فعرضها عليه فلم ير بها بأسًا، وأذن له فيها‏.‏

باب‏:‏ رقية النبي صلى الله عليه وسلم

- فيه‏:‏ عَبْدِ الْعَزِيزِ، دَخَلْتُ مَعَ ثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ، فَقَالَ‏:‏ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ، اشْتَكَيْتُ، قَالَ أَنَسٌ‏:‏ أَلا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى، قَالَ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الْبَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لا شَافِىَ إِلا أَنْتَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِى عليه السلام كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَقُولُ‏:‏ ‏(‏اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِى لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِىّ عليه السلام كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ‏:‏ ‏(‏بِسْمِ اللَّه، تُرْبَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقَةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإِذْنِ رَبِّنَا‏)‏‏.‏

وترجم لحديث عائشة الأول باب مسح الراقى الوجع بيده اليمنى‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فيه البيان عن جواز الرقية بكل ما كان دعاء للعليل بالشفاء‏.‏

وذلك أن النبي عليه السلام كان إذا عاد مريضًا قال القول الذى تقدم، وذلك كان رقيته التى كان يرقى بها أهل العلل، وإذا كان ذلك دعاء ومسالة للعليل بالشفاء فمثله كل مارقى به ذو عله من رقية إذ كان دعاء لله ومسألة من الراقي ربه للعليل الشفاء فى أنه لابأس به‏.‏

وذكر عبد الرازق عن معمر قال‏:‏ الرقية التى بها جبريل النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بسم الله أرقيك، ولله يشفيك من كل يؤذيك و من كل عيد حاسد، وبسم الله أرقيك‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ ومعنى مسحه الوجع بيده فى الرقية ولله أعلم تفاؤلا لذهاب الوجع لمسحة بالرقى‏.‏

باب‏:‏ النفث فى الرقية

- فيه‏:‏ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ، مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ‏)‏‏.‏

وقال أَبُو سَلَمَةَ‏:‏ وَإِنْ كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيَا هِىَ أَثْقَلَ عَلَىَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، كَانَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِى كَفَّيْهِ‏:‏ ‏(‏بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ‏)‏، قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَلَمَّا اشْتَكَى، كَانَ يَأْمُرُنِى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ‏.‏

وَكَانَ ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِه‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو سَعِيدٍ، أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىّ عليه السلام نَزَلُوا بِحَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَجَعَلَ يَتْفُلُ وَيَقْرَأُ‏:‏ ‏(‏الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وترجم لحديث عائشة باب المرأة ترقى الرجل‏.‏

قال الطبرى‏:‏ فى هذه الآثار البيان عن أن التفل على العليل إذا رقى أو دعى له بالشفاء جائز والرد على من لم يجز ذلك، وبمثل هذه الآثارقال جماعة من الصحابة وغيرهم، وأنكر قوم من أهل العلم النفث والتفل فى الرقى وأجازوا النفخ فيها، روى جرير عن مغيره عن إبراهيم قال‏:‏ كان الأسود يكره النفث ولا يرى بالنفخ بأسًا‏.‏

وقال سفيان عن الأعمش عن إبراهيم‏:‏ إذا دعوت بما فى القرآن فلا تنفث‏.‏

وكره النفث عكرمة والحكم وحماد، وأحسب أن السود كره النفث لذكر الله تعالى له فى كتابه وأمره بالاستعاذة منه ومن فاعله فقال‏:‏ ‏(‏ومن شر النفاثات فى العقد‏)‏ وليس فى ذمة تعالى نفث أهل الباطل مايوجب أن يكون كل نافث ونافثة بالحق فى معناه؛ لأن النفاثات التى أمر الله نبيه بالاستعاذة من شرهن السحرة‏.‏

فأما من نفث بالقرآن وبذكر الله على النحو الذى كان رسول الله وأصحابه ينفثون فليس ممن أمر الله بالاستعاذة من شره، وإذ قد صح عن النبى أنه نفث على نفسه بالمعوذات وإطلاقه التفل بفاتحة الكتاب راقيا بها، فبين أن التفل و النفث بكتاب الله شفاء من العلل، ومن استشفى بذلك مصيب، وفى فعله ذلك برسول الله مقتد، وقد روت عائشة عن الرسول أن ريق ابن آدم شفاء قالت‏:‏ كان إذا اشتكى الإنسان قال النبى عليه السلام هكذا بريقه فى الأرض وقال‏:‏ ‏(‏تربة أرضنا بريقه بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا‏)‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لكأنما نشط من عقال‏)‏ قال صاحب الأفعال يقال‏:‏ أنشطت العقدة‏:‏ حللتها، ونشطتها عقدتها بأنشوطة وهى حديدة يعقد بها‏.‏

باب‏:‏ من لم يرق

- فيه‏:‏ ابْن عَبَّاس، عن النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فِى‏:‏ ‏(‏الَّذِينَ لا يَتَطَيَّرُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏)‏‏.‏

وقد تقدم الكلام فيه فى باب من اكتوب من اكتوى وفضل من لم يكتو، فأغنى عن إعادته‏.‏

باب‏:‏ الطيرة

- فيه‏:‏ ابْن عُمَر، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَالشُّؤْمُ فِى ثَلاثٍ‏:‏ فِى الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ عليه السَّلام‏:‏ ‏(‏لا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ‏)‏، قَالُوا‏:‏ وَمَا الْفَأْلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَنَس، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ الصَّالِحُ، وَالْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ‏)‏‏.‏

قال الخطابى‏:‏ الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله تعالى والطيرة وإنما هى من طريق الاتكال على شىء سواه‏.‏

وقال الأصمعى‏:‏ سألت ابن عون عن الفأل فقال‏:‏ هو أن تكون مريضًا فتسمع يا سالم، أو تكون باغيا فتسمع يا واجد‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وكان النبى يسأل عن اسم الخيل والأرض والإنسان فإن كان حسنًا سر بذلك واستبشر به وإن كان سيئًا ساء ذلك، وزعم بعض المعتزلة أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا طيرة‏)‏ يعارض قوله‏:‏ ‏(‏الشئوم فى ثلاث‏)‏ قال ابن قتيبة وغيره‏:‏ وهذا تعسف وبعد عن العلم، ولكل شىء منها موضع إذا وضع فيه زال الخلاف وارتفع التعارض‏.‏

ووجه ذلك أن يكون قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا طيرة‏)‏ مخصوصًا بحديث الشؤم، فكأنه قال‏:‏ لاطيرة إلا فى المرأة والدار والفرس لمن التزم الطيرة، يدل على صحة هذا مارواه زهير بن معاوية، عن عتبة ابن حميد، عن عبيد الله بن أبى بكر أنه سمع أنس بن مالك يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن يكن فى شىء ففى الدار والمرأة والفرس‏)‏‏.‏

فبان بهذا الحديث أن الطيرة إنما تلزم من تطير بها، وأنها فى بعض الأشياء دون بعض، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يقولون‏:‏ الطيرة في الدار والفرس والمرأة، فهناهم النبى عليه السلام عن الطيرة فلم ينتهوا فبقيت فى هذه الثلاثة الشياء التى كانوا يلزمون التطير فيها‏.‏

ومثله قوله تعالى عن أهل القرية حين قالوا‏:‏ ‏(‏إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم‏.‏‏.‏‏.‏

قالوا طائركم معكم‏)‏ أى‏:‏ حظكم من الخير والشر معكم ليس هو من شؤمنا وكذلك قوله عليه السلام فى الدار‏:‏ ‏(‏اتركوها ذميمة‏)‏ فإنما قال ذلك لقوم علم منهم أن الطيرة والتشاؤم غلب عليهم وثبت فى نفوسهم؛ لأن ازاحة مايثبت فى النفس عسير، وقد قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يسلم منهن أحد‏:‏ الطيرة والظن والحسد؛ فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق‏)‏‏.‏

وليس فى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏دعوها ذميمة‏)‏ أمر منه بالتطير، وكيف وقد قال‏:‏ لايطرة‏؟‏ وإنما أمرهم بالتحول عنها لما قد جعل الله فى غرائز الناس من استثقال مانالهم فيه الشر وإن كان لاسبب له فى ذلك، وحب من جرى لهم الخير على يديه وإن لم يردهم به، وكان النبى عليه السلام يستحب الاسم الحسن والفأل الصالح، وقد جعل الله فى فطرة الناس محبة الكلمة الطيبة والفأل الصالح والأنس به، كما جعل فيهم الارتياح للبشرى والمنظر الأنيق، وقد يمر الرجل بالماء الصافى فعجبه وهو لايشربه وبالروضه المنثورة فتسره وهي لاتنفعه، وفى بعض الحديث ‏(‏أن الرسول عليه السلام كان يعجبه الأترج ويعجبه الفغية وهي نور الحناء‏)‏‏.‏

وهذا مثل اعجابه بالاسم الحسن والفأل الحسن وعلى حسب هذا كانت كراهيته الاسم القبيح كبنى النار وبنى حزن وشبهه، وقد كان كثير من أهل الجاهلية لا يرون الطيرة شيئًا ويمدحون من كذب بها قال المرقش‏:‏ ولقد عذروت وكنت لا أغدو على واق وحائم فإذا الأشائك كالأيا من والأيامن كالأشائم وقال عكرمة‏:‏ كنت عند ابن عباس فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم‏:‏ خير خير‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ ما عند هذا لا خير ولا شر‏.‏

باب الكهانة والسحر

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىّ عليه السلام قَضَى فِى امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا، وَهِىَ حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِى فِى بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِى صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِى بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، فَقَالَ وَلِى الْمَرْأَةِ الَّتِى غَرِمَتْ‏:‏ كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا شَرِبَ، وَلا أَكَلَ، وَلا نَطَقَ، وَلا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ أَبُو مَسْعُود نَهَى الرسول عليه السلام عَنْ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

- وفيه‏:‏ عَائِشَةَ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏لَيْسَ بِشَيْءٍ‏)‏، قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَىْءٍ، فَيَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّىِّ، فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ فى هذه الآثار ذم الكهان وذم من تشبه بهم فى ألفاظهم؛ لأنه عليه السلام كره قول ولى المرأة لما أشبه سجع الكهان الذين يستعملونه فى الباطل ودفع الحق، ألا ترى أنه أتى بسجعه محتجًا على رسول الله فى دفع شىء قد أوجبه عليه فاستحق بذلك غاية الذم وشديد العقوبة فى الدنيا والآخرة، غير أن النبى عليه السلام جبله الله على الصفح عن الجاهلين وترك الانتقام لنفسه فلم يعاقبه فى اعتراضه عليه كما لم يعاقب الذى قال له‏:‏ إنك لم تعدل منذ اليوم‏.‏

ولم يعاقب موالى بريرة فى اشتراطهم مايخالف كتاب الله وأنفذ حكم الله فى كل ذلك‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فالسجع كله مكروه‏؟‏ قيل له‏:‏ لا قد أتى به كلام رسول رب العالمين، ومنه قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يقول العبد‏:‏ ما لى ما لى، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت‏)‏ قاله ابن النحاس‏.‏

وأما نهيه عن حلوان الكاهن فالأمة مجمعة على تحريمه؛ لأنهم يأخذون أجره مالا يصلح فيه أخذ عوض وهو الكذب الذى يخلطونه مع مايسترقه الجن فيفسدون تلك الكلمة من الصدق بمائة كذبة أو أكثر كما جاء فى بعض الروايات فلم يسغ أن يلتفت اليهم، ولذلك قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏ليسوا بشىء‏)‏ وقد جاء فيمن أتى الكهان آثار شديدة روى الطبرى عن عبد الله بن شبويه، حدثنا أبى، حدثنا أيوب بن سليمان، حدثنا أبو بكر بن أبى أويس، عن سليمان بن بلال، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن صفية بنت أبى عبيد، عن عمر بن الخطاب أن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏من أتى عرافًا لم تقبل صلاته أربعين ليلة ولم ينظر الله أربعين ليلة‏)‏‏.‏

وحدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمه، عن حكيم الأثرم، عن أبى تميمة، عن أبى هريرة أن النبى عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل هلى محمد‏)‏ وقال ابن دريد‏:‏ أهل الحديث يقولون‏:‏ ‏(‏بطل‏)‏ وهو تصحيف وإنما هو ‏(‏يطل‏)‏ قال صاحب الأفعال‏:‏ طل الدم وطل إذا هدر، قال الشاعر‏:‏

وما مات منا ميت فى فراشه *** ولا طل منا حيث كان قتيل

وقد قيل‏:‏ أطل الدم بمعنى طل، ولم يعرفه الأصمعى‏.‏

باب السحر

وَقَوْلِ اللَّهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏]‏، وَقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى‏}‏، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 20‏]‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 66‏]‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ‏}‏ وَالنَّفَّاثَاتُ‏:‏ السَّوَاحِرُ، تُسْحَرُونَ‏:‏ تُعَمَّوْنَ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، قَالَتْ‏:‏ سَحَرَ النَّبِيّ عليه السلام رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ- أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ- وَهُوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ‏:‏ مَا وَجَعُ الرَّجُلِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَطْبُوبٌ، قَالَ‏:‏ مَنْ طَبَّهُ‏؟‏ قَالَ لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ، قَالَ‏:‏ فِى أَى شَىْءٍ قَالَ فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ هُوَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ‏:‏ يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ- أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ- قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا اسْتَخْرَجْتَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏قَدْ عَافَانِى اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا، فَأَمَرَ بِهَا، فَدُفِنَتْ‏)‏‏.‏

هذه رواية عيسى بن يونس عن هشام بن عروة، وقال الليث وابن عيينة عن هشام‏:‏ ‏(‏فى مشط ومشاقة‏)‏ قال أبو عبد الله يقال المشاطة مايخرج من الشعر إذا مشط، والمشاقة من مشاقة الكتان‏.‏

قال المهلب‏:‏ والجف غشاء الطلع، وقال أبو عمرو الشيبانى‏:‏ الجف‏:‏ شىء ينقر من جذوع النخل، ونقاعة الحناء‏:‏ الماء الذى يصب عليها وتقع فيه، وقد تقدم فى آخر كتاب الجهاد حكم الذمى إذا سحر المسلم فى باب هل يعفى عن الذمى إذا سحر، والجواب عن اعتراض الملحدين بحديث عائشة فى جواز السحر على النبي عليه السلام فأغنى عن إعادته‏.‏

وقال ابن القصار‏:‏ ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعى إلى أن السحر له حقيقة، وقد يمرض من يفعل ويموت ويتغير عن طبعه‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ السحر تخييل وشعوذة وليس له حقيقة ولايمرض منه ولايقتل به أحد، واستدلوا على لك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى‏}‏ فأخبر أن حبالهم وعصيهم ماسعت فى الحقيقة، فلو كان للسحر حقيقة لتحقق فى ذلك الوقت؛ لأن فرعون كان قد جمع السحرة من البلدان، فلما أخبرنا الله تعالى أن ما فعلوه خيالا علم لا حقيقة له‏.‏

قال ابن القصار‏:‏ والحجة على هذه المقالة حديث عائشة وهو نص لا يحتمل التأويل؛ لأنهم سحروا النبى عليه السلام حتى وصل المرض إلى بدنه، لأنه قال لما حل السحر‏:‏ إن الله شفانى‏.‏

والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، وأيضًا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر‏)‏ فنفى الله السحر عن سليمان وأضافة إلى الشياطين وأخبر أنهم يعلمونه الناس‏.‏

واختلف العلماء فى المسلم إذا سحر بنفسه، فذهب مالك إلى أن السحر كفر وأن الاسحر يقتل ولاتقبل توبته؛ لأن الله- تعالى سمى السحر كفرًا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر‏)‏ وهو قول أحمد بن حنبل، وروى قتل الساحر عن عمر وعثمان وعبد الله بن عمر، وحذيفة، وحفصة، وأبى موسى، وقيس بن سعد، وعن سبعة من التابعين‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ لا يقتل الساحر إلا أن يقتل بسحره، وروى عنه أيضا أنه يسأل عن سحره، فإن كان كفرًا استتيب منه‏.‏

واحتج أصحاب مالك بأنه لم تقبل توبته؛ لأن السحر باطن لايظهره صاحبه فلا تعرف توبته كالزنديق، وإنما يستتاب من أظهر الكفر كالمرتد‏.‏

قال مالك‏:‏ فإن جاء الساحر أو الزنديق تائبًا قبل أن يشهد عليهما بذلك قبلت توبتها، والحجة لذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم ويك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا‏)‏ فدل أنه كان ينفعهم إيمانهم قبل نزول العذاب بهم، فكذلك هذان قال مالك فى المرأة تعقد زوجها عن نفسها أو عن غيرها‏:‏ تنكل ولا تقتل‏.‏

باب‏:‏ هل يستخرج السحر

وَقَالَ قَتَادَةُ‏:‏ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ‏:‏ رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ- أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ- أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإصْلاحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ‏.‏

- فيه‏:‏ عَائِشَةَ، أَنّ النَّبِىّ عليه السلام سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ، وَلا يَأْتِيهِنَّ- قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا- فَقَالَ‏:‏ يَا عَائِشَةُ، أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلآخَرِ‏:‏ مَا بَالُ الرَّجُلِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَطْبُوبٌ، قَالَ‏:‏ وَمَنْ طَبَّهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ، حَلِيفٌ لِيَهُودَ، كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ‏:‏ وَفِيمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ، قَالَتْ‏:‏ فَأَتَى النَّبِى عليه السلام الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، قَالَ‏:‏ هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ‏:‏ فَاسْتُخْرِجَ، قَالَتْ‏:‏ فَقُلْتُ‏:‏ أَفَلا- أَى- تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَمَّا اللَّهُ، فَقَدْ شَفَانِى، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا‏)‏‏.‏

قال المهلب‏:‏ وقع فى هذا الحديث فاستخرج السحر، ووقع فى باب السحر ‏(‏قلت‏:‏ يا رسول الله، أفلا استخرجت فأمر بها فدفنت‏)‏‏.‏

وهذا اختلاف من الرواة، ومدار الحديث على هشام بن عروة، واصحابه مختلفون فى استخراجه فأثبته سفيان فى روايته من طريقين فى هذا الباب، وأوقف سؤال عائشة النبى عليه السلام عن النشرة ونفى الاستخراج عن عيسى بن يونس وأوقف سؤالها للنبى على الاستخراج ولم يذكر أنه جاوب على الاستخراج بشىء، وحقق أبو أسامة جوابه عليه السلام؛ إذ سألته عائشة عن استخراجه بلا‏.‏

فكان الاعتبار يعطى أبو سفيان أولى بالقول لتقدمه فى الضبط، وأن الوهم على أبى أسامة فى أنه لم يستخرجه، ويشهد لذلك أنه لم يذكر النشرة فى حديثه فوهم فى أمرها فرد جوابه عليه السلام بلا على الاستخراج فلم يذكر النشرة‏.‏

وكذلك عيسى بن يونس لم يذكر أنه عليه السلام جاوب على استخراجه بلا ولا ذكر النشرة، والزيادة من سفيان مقبولة؛ لأنه أثبتهم وقوى ثبوت الاستخراج فى حديثه لتكرره فيه مرتين فبعد من الوهم فيما حقق من الاستخراج، وفى ذكره للنشرة فى جوابه عليه السلام مكان الاستخراج‏.‏

وفيه‏:‏ وجه آخر يحتمل أن يحكم بالاستخراج لسفيان، ويحكم لأبي أسامة بقوله‏:‏ لا على أنه استخرج الجف بالمشاقة، ولم يستخرج صورة ما فى الجف من المشط وما ربط به لئلا يراه الناس فيتعلمونه إن أرادوا استعمال السحر فهو عندهم مستخرج من البئر وغير مستخرج من الجف، والله أعلم‏.‏

واختلف السلف، هل يسأل الساحر عن حل السحر عن المسحور فأجازة سعيد بن المسيب على ماذكره البخارى، وكرهه الحسن البصرى وقال‏:‏ لايعلم ذلك إلا ساحر ولا يجوز إتيان الساحر‏.‏

لما روى سفيان، عن أبى إسحاق، عن هبيرة، عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ‏(‏من مشى إلى ساحر أو كاهن فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد- عليه السلام‏)‏‏.‏

قال الطبرى‏:‏ وليس ذلك عندى سواء؛ وذلك أن مسالة الساحر عقد السحر مسألة منه أن يضر من لا يحل ضرره وذلك حرام، من غير حصر معالجتهم منها على صفة دون صفة فسواء كان المعالج مسلمًا تقيًا أو مشركًا ساحرًا بعد أن يكون الذى يتعالج به غير محرم، وقد أذن النبى عليه السلام- فى التعالج وأمر به أمته فقال‏:‏ ‏(‏إن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاء، وعلمه من علمه وجهله من جهله‏)‏‏.‏

فسواء كان عليم ذلك وحله عند ساحر أو غير ساحر، وأما معنى نهيه عليه السلام عن إتيان السحرة؛ فإنما ذلك على التصديق لهم فيما يقولون على علم من أتاهم بأنهم سحرة أو كهان، فأما من أتاهم لغير ذلك وهو عالم به وبحاله فليس بمنهى عنه عن إتيانه‏.‏

واختلفوا فى النشرة أيضًا فذكر عبد الرزاق عن عقيل بن معقل عن همام بن منبه قال‏:‏ ‏(‏سئل جابر بن عبد الله عن النشرة فقال‏:‏ من عمل الشيطان‏)‏، وقال عبد الرزاق‏:‏ قال الشعبى‏:‏ لا بأس بالنشرة العربية التى لاتضر إذا وطئت، وهى أن يخرج الإنسان فى موضع عصاه فيأخذ عن يمينه وشماله من كل ثم يدقه ويقرأ فيه ثم يغتسل به‏.‏

وفى كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسى وذوات قل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به؛ فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله‏.‏

وقولها للنبى‏:‏ ‏(‏هلا تنشرت‏)‏ يدل على جواز النشرة كما قال الشعبى، وأنها كانت معروفة عندهم لمداوة السحر وشبهه، ويدل قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏أما الله فقد شفانى‏)‏ وتركه الإنكار على عائشة على جواز استعماله لها لو لم يشفه فلا معنى لقول من أنكر النشرة‏.‏

وراعوفه البئر وأرعوفتها‏:‏ حجر يأتى فى أسفلها، ويقال‏:‏ بل هو على رأس البئر يقوم عليه المستقى‏.‏

باب من البيان سحر

- فيه‏:‏ ابْن عُمَر، قَدِمَ رَجُلانِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ لَسِحْرٌ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ الرجلان اللذان خطبا‏:‏ عمرو بن الأهتم والزبرقان ابن بدر‏.‏

روى حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال‏:‏ ‏(‏قدم على رسول الله الزبرقان بن بدر وعمر بن الأهتم، فقال رسول الله لعمرو‏:‏ أخبرنى عن الزبرقان‏.‏

فقال‏:‏ هو مطاع فى ناديه، شديد المعارضة، مانع لما وراء ظهره‏.‏

قال الزبرقان‏:‏ هو والله يارسول الله يعلم أنى أفضل منه ولكنه حسدنى شرفى فقصرنى‏.‏

قال عمرو‏:‏ إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب، لئيم الخال يارسول الله صدقت فى الأولى وماكذبت فى الأخرى، ولكنى رضيت فقلت أحسن ماعلمت، وسخطت فقلت أسوأ ماعلمت، فقال رسول الله‏:‏ إن من البيان لسحرًا‏)‏، واختلف العلماء فى تأويله‏.‏

فقال قوم من أصحاب مالك‏:‏ إن هذا الحديث خرج على الذم للبيان‏.‏

وقالوا على هذا يدل مذهب مالك، واستدلوا بإدخاله للحديث فى باب مايكره من الكلام، وقالوا‏:‏ إن النبى شبه البيان بالسحر، والسحر مذموم محرم قليله وكثيره وذلك لما فى البيان من التفيهق وتصوير الباطل فى صورة الحق‏.‏

وقد قال رسول الله‏:‏ ‏(‏أبغضكم إلىّ الثرثارون المتفيهقون‏)‏ وقد فسره عامر بنحو هذا المعنى وهو رواه الحديث عن رسول الله، وكذلك فسره صعصعة بن صوحان فقال‏:‏ أما قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن من البيان لسحرًا‏)‏ فالرجل يكون الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هو كلام خرج على مدح البيان واستدلوا بقوله فى الحديث‏:‏ ‏(‏فعجب الناس لبيانها‏)‏ والإعجاب لايقع إلا بما يحسن ويطيب سماعه، قالوا وتشبيهه بالسحر مدح له؛ لأن معنى السحر الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك، وكان رسول الله عليه السلام أميز الناس بفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذلك القول واستحسنه ولذلك شبهه بالسحر، قالوا‏:‏ وقد تكلم رجل فى حاجة عند عمر ابن عبد العزيز وكان فى قضائها مشقة بكلام رقيق موجز وتأنى لها وتلطف، فقال عمر بن العزيز‏:‏ هذا السحر الحلال‏.‏

وكان زيد ابن إياس يقول للشعبى‏:‏ يا مبطل الحاجات، يعنى أنه يشغل جلساءه بحسن حديثه عن حاجاتهم‏.‏

وأحسن مايقال فى ذلك أن هذا الحديث ليس بذم للبيان كله ولا بمدح للبيان كله ألا ترى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏إن من البيان لسحرًا‏)‏ و ‏(‏من‏)‏ للتبعيض عند العرب، وقد شك المحدث إن كان قال‏:‏ إن من البيان أو أن من بعض البيان، وكيف يذم البيان كله، وقد عدد الله به النعمة على عباده فقال‏:‏ ‏(‏خلق الإنسان علمه البيان‏)‏ ولايجوز أن يعدد على عباده إلا مافيه عظيم النعمة عليهم وماينبغى إدامة شكره عليه‏؟‏ فإذا ثبت الاحتجاج للشىء الواحد مرة بالفضل ومرة بالنقص وتزيينه مرة وعيبه أخرى؛ ثبت أن ما جاء من البيان مزينًا للحق ومبينًا له فهو ممدوح وهو الذى قال فيه عمر بن عبد العزيز‏:‏ هذا السحر الحلال‏.‏

ومعنى ذلك أنه يعمل فى استمالة النفوس مايعمل السحر من استهوائها، فهو سحر على معنى التشبيه لا أنه السحر الذذى هو الباطل الحرام، والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ الدواء بالعجوة

- فيه‏:‏ سَعْد، قال النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ بِسبع تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ سُمٌّ وَلا سِحْرٌ، ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ‏)‏‏.‏

وروى ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة ‏(‏أنها كانت تأمر من الدواء بسبع تمرات عجوة فى سبع غدوات على الريق‏)‏‏.‏

باب‏:‏ لا هامة ولا صفر

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قال النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عَدْوَى، وَلا هَامَةَ، وَلا صَفَرَ‏)‏، قَالَ أَعْرَابِيٌّ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الإبِلِ، تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأجْرَبُ، فَيُجْرِبُهَا‏؟‏ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فَمَنْ أَعْدَى الأوَّلَ‏؟‏‏)‏‏.‏

وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ‏)‏‏.‏

وأنكر أبو هريرة الحديث الأول، قلنا‏:‏ ألم تحدثنا به أنه لاعدوى‏؟‏ فرطن بالحبشية‏.‏

قال أبو سلمة‏:‏ فما رأيته نسى حدينا غيره‏.‏

وترجم له باب لاعدوى وقد تقدم تفسير لوله‏:‏ ‏(‏لا هامة ولا صفر‏)‏ فى باب قوله لاصفر قبل هذا وزعم بعض أهل البدع أن قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ يعارض قوله‏:‏ ‏(‏لا يوردن ممرض على مصح‏)‏ كما يعارض قوله‏:‏ ‏(‏فر من المجذوم كفرارك من الأسد‏)‏ وقد تقدم فى باب الجذام وجه الجمع بين قوله‏:‏ ‏(‏فر من المجذوم‏)‏، وبين قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ وتقدم فى باب قوله لاصفر بعض ذلك، ونتكلم هاهنا على قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ إعلام منه أمته ألا يكون لذلك حقيقة وقوله‏:‏ ‏(‏لا يوردن ممرض على مصح‏)‏ نهى منه الممرض أن يورد ماشيته المرضى على ماشية أخيه الصحيحة لئلا يتوهم المصح إن مرضت ماشيته الصحيحة أن مرضها حدث من أجل ورود المرضى عليها فيكون داخلا بتوهمه ذلك فى تصحيح ماقد أبطله النبى عليه السلام من أمر العدوى‏.‏

والممرض‏:‏ ذو الماشية المريضة، والمصح‏:‏ ذو الماشية الصحيحة، وقد تأول يحيى بن يحيى الأندلوسى فى قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل الممرض على المصح‏)‏ تأويلاً آخر، قال‏:‏ لا يحل من أصابه جذام محله الأصحاء فيؤذيهم برائحته وإن كان لا يعدو، والأنفس تكره ذلك‏.‏

قال‏:‏ وكذلك الرجل يكون به المرض لا ينبغى له أن يحل مورده الصحاء إلا أن لايجد عنها غناء فيرد‏.‏

قلت‏:‏ فالقوم يكونون شركاء فى القرية ويريدون منعهم من ذلك، قال يحيى‏:‏ إن كانوا يجدون من ذلك الماء غناء بماء غيره يستقون منه من غير ضرر بهم أو يقومون على حفر بئر أو جرى عين فأرى أن يؤمروا بذلك، وإن كانوا لايجدون من ذلك غناء إلا بما يضرهم، قيل لمن تأذى بهم‏:‏ استنبط لهم بئرًا أو أجر لهم عينا أو أؤمر من يستقى من البعد وإلا فكل ذي حق أولى بحقه، وأعظم الضرر أن يمنع أحد ملكه بغير عوض، وقد تقدم فى باب الجذام فاطلبه هناك‏.‏

والرطانة‏:‏ التكلم بالعجمية وقد تراطنا‏.‏

باب‏:‏ ما يذكر فى سم النبى عليه السلام

رواه عروة عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم‏.‏

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ إلى النَّبِىّ عليه السلام شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجْمَعُوا لِى مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ الْيَهُودِ‏)‏، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِى عَنْهُ‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ أَبُوكُمْ‏)‏‏؟‏ قَالُوا‏:‏ أَبُونَا فُلانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلانٌ‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ صَدَقْتَ، وَبَرِرْتَ، فَقَالَ‏:‏ هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ أَهْلُ النَّارِ‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا‏)‏، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏(‏فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِى عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ‏)‏‏؟‏ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سَمًّا‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ‏)‏‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ‏.‏

لا أعلم خلافًا فيمن سم طعامًا أو شرابًا لرجل فلم يمت به أنه لاقصاص عليه ولاحد، وفيه العقوبة الشديدة والأدب البالغ قدر ما يراه الإمام فى ذلك، فإن قيل‏:‏ كيف وجب فيه العقوبة والنبى لم يعاقب من وضع له السم فيها‏؟‏ قيل‏:‏ كان النبى ‏(‏ص‏)‏ لاينتقم لنفسه ما لم تنتهك لله حرمة، وكان يصبر على أذى المنافقين واليهود، وقد سحره لبيد بن الأعصم وناله من ضرر السحر مالم ينله من ضرر السم فى الشاة ولم يعاقب الذى سحره؛ لأن الله تعالى كان قد ضمن لنبيه عليه السلام أنه لايناله مكروه وأن لايموت حتى يبلغ دينه ويصدع بتأدية شريعته، وكان معصوما من ضرر الأعداء قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والله يعصمك من الناس ‏(‏وغيره من الناس بخلافه فهذا الفرق بينه وبين غيره صلى الله عليه وسلم‏.‏

واختلفوا فيمن سم طعامًا أو شرابًا لرجل فمات منه، فذكر ابن المنذر عن الكوفيين‏:‏ إذا سقاه سمًا أو جربه به فقتله فلا قصاص عليه وعلى عاقلته الدية، وقال مالك‏:‏ إذا استكرهه فسقاه سمًا فقتله فعليه القود‏.‏

قال الكوفيون‏:‏ ولو أعطاه إياه فشربه هو لم يكن عليه فيه شىء ولا على عاقلته من قبل أنه هو شربه‏.‏

وقال الشافعى‏:‏ إذا جعل السم فى طعام رجل أو شربه فأطعمه أو سقاه غير مكروه له ففيها قولان‏:‏ أحدهما أن عليه القود، وهذا اشبههما والثانى‏:‏ أن لاقود عليه وهو آثم لأن الآخر شربه وإن خلطه فوضعه فأكله الرجل فلا عقل ولاقود ولاكفارة، وقيل‏:‏ يضمن‏.‏

وفى حديث أبى هريرة الدليل الواضح على صحة نبوة نبينا عليه السلام من وجه منها‏:‏ إخباره عن الغيب الذى لايعلمه إلا من أعلمه الله بذلك، وذلك معرفته بأبيهم وبالسم الذى وضوعا له فى الشاة ومنها تصديق اليهود له حين أخبرهم بأبيهم، ومنها‏:‏ قول اليهود له‏:‏ إن كنت نبيًا لم يضرك، فرأوا أنه لم يقتله السم وتمادوا فى غيهم، ولم يؤمنوا بما رأوا من برهانه عليه السلام فى السم وفى إخباره عن الغيب، وهذا الحديث يشهد بمباهة اليهود وعنادهم للحق، كما قال عبد الله بن سلام‏:‏ اليهود قوم بهت‏.‏

باب شرب السم والدواء به ومايخاف منه والخبيث

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبِى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِى يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا‏)‏‏.‏

- وفيه‏:‏ سَعْد، قَالَ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتِ عَجْوَةٍ، لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلا سِحْرٌ‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الحديث يشهد لصحة نهى الله تعالى فى كتابه المؤمن عن قتل نفسه فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا ومن يفعل ذلك‏)‏ الآية، فأما من شرب سمًا للتداوى ولم يقصد به قتل نفسه وشرب منه مقدرًا مثله، أو خلطه بغيره مما يكسر ضره فليس بداخل فى الوعيد؛ لأنه لم يقتل نفسه غير أنه يكره له ذلك لما روى الترمذى قال‏:‏ حدثنا بن نصر، حدثنا ابن المبارك، عن يونس بن أبى إسحاق، عن مجاهد، عن أبى هريرة قال‏:‏ ‏(‏نهى النبى عن الدواء الخبيث‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ يعنى‏:‏ السم‏.‏

وقد تعلق بقوله‏:‏ ‏(‏خالدًا مخلدًا‏)‏ فى حديث أبى هريرة من أنفذ الوعيد على القاتل وهو قول روى عن قوم من الصحابة قد ذكرناهم فى أول كتاب الديات وجمهور التابعين وجماعة الفقهاء على خلافه، ولا يجوز عندهم إنفاذ الوعيد على القاتل وأنه فى مشيئة الله تعالى لحديث عباده بن الصامت على ماتقدم فى كتاب الديات‏.‏

فإن قيل ظاهر حديث أبى هريرة يدل على أن قاتل نفسه مخلدًا فى النار أبدًا، قيل‏:‏ هذا قول تقلده الخوارج وهو مرغوب عنه، ومن حجة الجماعة أن لفظ التأبيد فى كلام العرب لا يدل على ما توهتموه، وقد يقع البد على المدة من الزمان التى قضى الله تعالى فيها بتخليد القاتل إن أنفذ عليه الوعيد، وذلك أن العرب تجمع الأبد على آباد كما تجمع على دهور فإذا كان الأبد عندها واحد الآباد لايدل الأبد على ماقالوه، ويدل على صحة هذا إجماع المؤمنين كلهم غير الخوارج على أنه يخرج من النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان وأنه لايخلد فى النار بالتوحيد مع الكفار، فسقط قولهم‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏يجأ بها فى بطنه‏)‏ قال صاحب الأفعال‏:‏ وجأت البعير طعنت منخره، ووجأة وجئًا‏:‏ طعنه مثل وجأه، والأصل فى المستقبل يوجأ‏.‏

باب ألبان الأتن

- فيه‏:‏ أَبُو ثَعْلَبَة، نَهَى النَّبِى عليه السلام عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ‏.‏

وَزَادَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ وَسَأَلْتُهُ هَلْ نَتَوَضَّأُ، أَوْ نَشْرَبُ أَلْبَانَ الأتُنِ، أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعِ، أَوْ أَبْوَالَ الإبِلِ، قَالَ‏:‏ قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا، فَلا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا، فَأَمَّا أَلْبَانُ الأتُنِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُحُومِهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَلْبَانِهَا أَمْرٌ وَلا نَهْيٌ، وَأَمَّا مَرَارَةُ السَّبُعِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ‏:‏ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِىُّ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ أما قول ابن شهاب قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بذلك باسًا، فإنه اراد أبوال الإبل فإن النبى عليه السلام أباح للعرنيين شربها والتداوى بها‏.‏

وقوله فى أبان الأتن أن النبى عليه السلام نهى عن لحومها ولم يبلغنا عن البانها أمر ولا نهى، فما نهى عن لحمه فلبنه منهى عنه؛ لأن اللبن متولد من اللحم، ألا ترى أنه استدل ابن شهاب على النهى عن مرارة السبع بنهيه عليه السلام عن أكل ذى ناب من السباع، فكذلك ألبان الأتن‏.‏

وقد سئل مالك عن ألبان الأتن فقال‏:‏ لاخير فيها‏.‏

باب‏:‏ إذا وقع الذباب فى إناء

- فيه‏:‏ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏(‏إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الآخَرِ دَاءً‏)‏‏.‏

قال المؤلف‏:‏ هذا الحديث يتأول على وجهين أحدهما‏:‏ حمله على ظاهرة وهو أن يكون فى أحد جناحيه داء وفى الآخر دواء كما قال عليه السلام، فيذهب الداء بغمسه ويحدث مع الغمس دواء الداء الذى فى الجناح الواقع أولا، وقد جاء فى بعض طرق هذا الحديث وأنه يقدم الداء‏.‏

والوجه الآخر‏:‏ أن يكون الداء مايحدث فى نفس الآكل من التفرز والتقدر للطعام إذا وقع فيه الذباب، والدواء الذى فى الجناح الآخر رفع التفرز والتكبر بغمسه كله فى الطعام وقله المبالاة بوقعه فيه؛ لأن الذباب لانفس لها سائله وليس فيه يخشى منه إفساد الطعام فلا معنى لتقذره، والله أعلم بما أراد النبي عليه السلام من ذلك‏.‏